المعتزلة من الفرق المنتسبة إلى الإسلام.
المعتزلة من الاعتزال، والاعتزال لغة:
مأخوذ من اعتزل الشيء وتعزله بمعنى تنحى عنه، ومنه تعازل القوم بمعنى تنحى بعضهم عن بعض، وكنت بمعزل عن كذا وكذا أي: كنت في موضع عزلة منه، واعتزلت القوم أي فارقتهم، وتنحيت عنهم.
أما في الاصطلاح:
فالمعتزلة اسم يطلق على فرقة تنتسب إلى الإسلام وتعتقد جملة من الاعتقادات المبتدعة من أبرزها تقديس العقل وتقديمه والغلو فيه والاعتماد عليه في فهم الإسلام .
نشأتهم:
بدأ ظهورهم باعتزال (واصل بن عطاء الغزالي) حلقة الحسن البصري رحمه الله حينما ألقى رجل سؤالاً عن مرتكبي الذنوب فبادر واصل إلى الجواب قبل الحسن البصري وأجاب بإجابة مخالفة لما عليه السلف أهل السنة، ثم تطور الأمر إلى اعتزال واصل بن عطاء وأتباعه حلقة الحسن البصري فسموا معتزلة على سبيل الذم من المخالفين لهم.
أسماء أطلقت على المعتزلة:
1- جهمية: أطلق اسم (جهمية) على المعتزلة لأنهم وافقوا الجهمية في عدد من المسائل مثل (نفي رؤية الله، نفي الصفات، خلق الكلام) فالمعتزلة جاءت بعد الجهمية وأحيت باطلها، ولذا استحقت المعتزلة اسم الجهمية.
ولذلك أطلق أئمة الأثر لفظ الجهمية على المعتزلة فالإمام أحمد في كتابه (الرد على الجهمية) والبخاري في الرد على الجهمية، ومن بعدهما إنما يعنون بالجهمية المعتزلة، لأنهم كانوا في المتأخرين أشهر بهذه المسائل من الجهمية.
وقال ابن تيمية رحمه الله في كتابه (منهاج السنة) : (لما وقعت محنة الجهمية نفاة الصفات في أوائل المائة الثالثة على عهد المأمون وأخيه المعتصم ثم الواثق، ودعوا الناس إلى التجهم وإبطال صفات الله تعالى . . وطلبوا أهل السنة للمناظرة. . لم تكن المناظرة مع المعتزلة فقط؛ بل كانت مع جنس الجهمية من المعتزلة والنجارية والضرارية وأنواع المرجئة، فكل معتزلي جهمي وليس كل جهمي معتزليا؛ لأن جهماً أشد تعطيلا لنفيه الأسماء والصفات..)
2- قدرية: أطلق اسم (قدرية) على المعتزلة لأنهم وافقوا القدرية في إنكار القدر وإسنادهم أفعال العباد إلى قدرتهم.
يقول البغدادي –وهو يسوق ما أجمعت عليه المعتزلة : (. . . وقد زعموا أن الناس هم الذين يقدرون أكسابهم وأنه ليس لله –عز وجل– في أكسابهم وفي أعمال سائر الحيوانات صنع ولا تقدير، ولأجل هذا القول سماهم المسلمون قدرية) انظر (الفرق بين الفِرق ص 94)
3- مثنوية ومجوسية: سموا (مثنوية ومجوسية) لأنهم يقررون أن الخير من الله والشر من العبد وهذا يشبه مذهب الثنوية والمجوس الذي يقرر وجود إلهين: أحدهما للخير والآخر للشر.
4- وعيدية: سموا (وعيدية) لأنهم يقررون إنفاذ الوعد والوعيد لا محالة وأن الله تعالى لا خلف في وعده ووعيده، فلا بد من عقاب المذنب إلا أن يتوب قبل الموت.
5- معطلة: (المعطلة) اسم أطلق على الجهمية لأنهم عطلوا الصفات، وأطلق كذلك على المعتزلة لأنهم وافقوا الجهمية في نفي الصفات وتعطيلها وتأويل ما لا يتوافق مع مذهبهم من نصوص الكتاب والسنة.
أسماء ترتضيها المعتزلة:
1- المعتزلة: وهو كما ذكرنا اسم ذم، ولكن المعتزلة رأوا أنه اسم مدح بمعنى الاعتزال عن الشرور والمحدثات.
2- أهل العدل والتوحيد أو (العدلية) : والعدل عندهم هو نفي القدر عن الله تعالى أو أن تضاف إليه أفعال العباد القبيحة، والتوحيد عندهم يعني نفي الصفات عن الله تعالى.
3- أهل الحق: لأنهم يعتبرون أنفسهم أهل الحق ومن عداهم على الباطل.
4- الفرقة الناجية: لينطبق عليهم ما ورد في فضائل هذه الفرقة.
5- المنزهون الله: لزعمهم أنهم حين نفوا الصفات أنهم ينزهون الله، وأطلقوا على من عداهم وخاصة أهل السنة أسماء جائرة مثل (القدرية - المجبرة - المشبهة - الحشوية - النابتة)
أصولهم الخمسة:
1- التوحيد.
2- العدل.
3- الوعد والوعيد.
4- القول بالمنزلة بين المنزلتين.
5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
من عقائدهم:
1- أورد الأشعري في كتابه (مقالات الإسلاميين) جملة اعتقاد المعتزلة في التوحيد وسرد عنهم ما يصفون به الله جل وعلا ويزعمون أنه توحيد الله جل وعلا وهو في الحقيقة إلحاد يؤدي إلى إنكار وجود الله جل وعلا، فقد وصفوه بصفات مبينة كلها على النفي المجرد، ووصفوه بخيالات محضة وكذب على الله بغير علم ولا دليل.
يقول الأشعري (أجمعت المعتزلة على أن الله واحد ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وليس بجسم ولا شبح، ولا جثة ولا صورة، ولا لحم ولا دم ولا شخص، ولا جوهر ولا عرض، ولا بذي لون ولا رائحة ولا طعم ولا مجسة، ولا بذي حرارة وبرودة ولا رطوبة ولا يبوسة، ولا طول ولا عرض ولا عمق، ولا اجتماع ولا افتراق، ولا يتحرك ولا يسكن، ولا يتبعض، وليس بذي أبعاض وأجزاء وجوارح وأعضاء، وليس بذي جهات، ولا بذي يمين وشمال وأمام وخلف وفوق وتحت، ولا يحيط به مكان، ولا يجري عليه زمان ولا تجوز عليه المماسة ولا العزلة، ولا الحلول في الأماكن) انظر [مقالات الإسلاميين 1/235]
2- القول بأن الإنسان مختار بشكل مطلق في كل ما يفعل، فهو يخلق أفعاله بنفسه ولذلك كان التكليف، ومن أبرز من قال ذلك غيلان الدمشقي الذي أخذ يدعو إلى مقولته هذه في عهد عمر بن عبد العزيز حتى عهد هشام بن عبد الملك، فكانت نهايته أن قتله هشام بسبب ذلك.
3- القول بأن مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر ولكنه فاسق فهو بمنزلة بين المنزلتين، هذه حاله في الدنيا أما في الآخرة فهو لا يدخل الجنة لأنه لم يعمل بعمل أهل الجنة بل هو خالد مخلد في النار، ولا مانع عندهم من تسميته مسلماً باعتباره يظهر الإسلام وينطق بالشهادتين ولكنه لا يسمى مؤمناً.
4- الطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا عمرو بن عبيد أحد كبرائهم يقول: (والله لو أن علياً وعثمان وطلحة والزبير، شهدوا عندي على شراك نعل ما أجزته) وقال عن سمرة بن جندب رضي الله عنه: (ما تصنع بسمرة قبح الله سمرة) انظر [تاريخ بغداد لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي 12/176-178 ط المكتبة السلفية بالمدينة النبوية]
قد طعن كبراء المعتزلة بالصحابة رضي الله عنهم، وشنعوا عليهم ورموهم بالكذب، ونسبوا إليهم التناقض.
وقد رمى إبراهيم النظام –وهو شيخ المعتزلة المتقدم– أبا بكر رضي الله عنه بالتناقض، وطعن بمثل ذلك في علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعبدالله بن مسعود رضي الله عنه، وقد هاجم المعتزلة وبشدة الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه. انظر [تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص 17 وما بعدها]
وزعم كل من واصل بن عطاء وعمر بن عبيد: (أن إحدى الطائفتين يوم الجمل فاسقة ولا تقبل شهادتهم) انظر [الفرق بين الفرق للبغدادي ص 120]
ويلخص أبو منصور البغدادي موقف المعتزلة من الصحابة بقوله: (المعتزلة ما بين شاك بعدالة الصحابة منذ عهد الفتنة كواصل بن عطاء، وما بين موقن بفسقهم كعمرو بن عبيد، وما بين طاعن في أعلامهم متهم لهم بالكذب والجهل والنفاق كالنظام، وذلك يوجب ردهم للأحاديث التي جاءت عن طريق هؤلاء الصحابة، وأن النظام كان ينكر حجية الإجماع والقياس، وقطعية التواتر) انظر [السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص 140-142]
الجذور الفكرية والعقائدية:
1- هناك رواية ترجع الفكر المعتزلي في نفي الصفات إلى أصول يهودية فلسفية فالجعد بن درهم أخذ فكره عن أبان بن سمعان وأخذها أبان عن طالوت وأخذها طالوت عن خاله لبيد بن الأعصم اليهودي.
وقيل: إن مناقشات الجهم بن صفوان مع فرقة السمنية -وهي فرقة هندية تؤمن بالتناسخ- قد أدت إلى تشكيكه في دينه وابتداعه لنفي الصفات.
2- إن فكر يوحنا الدمشقي وأقواله تعد مورداً من موارد الفكر الاعتزالي، إذ أنه كان يقول بالأصلح ونفي الصفات الأزلية حرية الإرادة الإنسانية.
3- ونفي القدر عند المعتزلة الذي ظهر على يد الجهني وغيلان الدمشقي، قيل إنهما أخذاه عن نصراني يدعى أبو يونس سنسويه وقد أخذ عمرو بن عبيد صاحب واصل بن عطاء فكرة نفي القدر عن معبد الجهني.
الفكر الاعتزالي الحديث:
1- يحاول بعض الكتاب والمفكرين في الوقت الحاضر إحياء فكر المعتزلة من جديد بعد أن عفى عليه الزمن أو كاد، فألبسوه ثوباً جديداً وأطلقوا عليه أسماء جديدة مثل (العقلانية أو التنوير أو التجديد أو التحرر الفكري أو التطور أو المعاصرة أو التيار الديني المستنير أو اليسار الإسلامي)
2- وأهم مبدأ معتزلي سار عليه المتأثرون بالفكر المعتزلي الجدد هو ذاك الذي يزعم أن العقل هو الطريق الوحيد للوصول إلى الحقيقة، حتى لو كانت هذه الحقيقة غيبية شرعية، أي أنهم أخضعوا كل عقيدة وكل فكر للعقل البشري القاصر.
3- وأخطر ما في هذا الفكر الاعتزالي محاولة تغيير الأحكام الشرعية التي ورد فيها النص اليقيني من الكتاب والسنة مثل عقوبة المرتد، وفرضية الجهاد ، والحدود وغير ذلك، فضلاً عن موضوع الحجاب وتعدد الزوجات، والطلاق والإرث... الخ
وطلب أصحاب هذا الفكر إعادة النظر في ذلك كله وتحكيم العقل في هذه المواضيع ومن الواضح أن هذا العقل الذي يريدون تحكيمه هو عقل متأثر بما يقوله الفكر الغربي حول هذه القضايا في الوقت الحاضر.